إبراهيم اليازجي أدرك أهمية اللغة العربية ودورها الثقافي

 من أعلام اللغة والأدب العربي

إبراهيم اليازجي أدرك أهمية اللغة العربية ودورها الثقافي 

يعد اللغوي والأديب إبراهيم اليازجي علماً من أعلام اللغة والأدب العربي، في أوائل القرن الماضي، فرض نفسه على الساحة الثقافية العربية، بفصاحة لفظه وحصافة رأيه، حيث كان صاحب علم واسع، ونظر دقيق، ورسالة آمن بها، يسهر ليله وراء شاردة عنت له، ويقضي نهاره ناشراً وكاتباً ومعلماً، وتشهد له كثير إنجازاته، بأنه أحد رواد نهضة اللغة العربية في العصر الحديث.


 فقد كان من الأوائل الذين أدركوا أهمية اللغة العربية في خدمة القومية العربية، ودعا إلى تعلمها وإتقانها، وعدم الاهتمام باللغات الأجنبية على حسابها، كما كان في طليعة الرواد المؤسسين لعصر النهضة الثقافية العربية الحديثة، وقد تنسم خطاه العديد من الكتاب والأدباء والشعراء لتفرده في عالم الكتابة ودنيا البحث ومجتمع الثقافة، فقد كان من طليعة تلاميذه الشاعر الكبير خليل مطران، الذي قال في رثائه ثلاث قصائد، الأولى يوم وفاته، والثانية عندما نقل رفاته من مصر إلى لبنان، والثالثة عند إزاحة الستار عن تمثاله في بيروت عام (1924م)، كما وصفه معاصره بأنه أكبر عالم لغوي في عصره. ولد إبراهيم ناصيف اليازجي، في بيروت عام (1847م)، يرجع أصله إلى حمص قبل أن يهاجر جده إلى لبنان، ونشأ في بيت علم وثقافة، فوالده الشاعر الشهير ناصيف اليازجي، الذي علمه اللغة العربية، وسقاه من فنون الأدب، الأمر الذي جعل نفسه تواقة منذ صباه للتبحر في العلوم اللغوية كالنحو والصرف والبلاغة، ونظم الشعر والعلوم الإسلامية. 


عمل في أول حياته معلماً للغة العربية وآدابها لمدرسة البطريركية للروم الكاثوليك ببيروت، وعرف عن اليازجي ميله للحرية والجرأة الأدبية والأخذ بكل جديد عن عقل وفهم وإدراك، عشق اللغة العربية وانكب على سرائرها بفكر مستنير ورأي صائب، حتى استوعب ما تضمنته المعاجم والآثار الأدبية، حيث وعى خبايا اللغة وتغلغل في مطاوي عبقريتها يستجلي أسرارها ويبحث في كنوزها، حتى أحيا من تراث الماضي ما كان مدفوناً في الخزائن، ومستوراً في مظان المصادر، وقد ظهر ذلك جلياً في أسلوب اليازجي، الذي عرف بصحة التركيب وسلامة التعبير، وفصاحة العبارة، مع الميل إلى السجع الخالي من التعقيد؛ في رسائله، ومقاماته، وكتبه، ومقالاته، وتضمنه استعارات غريبة إلا أنها جديدة، أفادت اللغة وخدمت الأدب، مع تبحر في اللغة وتعمق في أصول اشتقاقها، مما سهل عليه بعث اللغة العربية، كي تجاري روح العصر، فقد أسدى اليازجي للغة العربية الكثير من الخدمات الجليلة، فاصطنع حروف الطباعة ببيروت، وكانت الحروف المستعملة آنذاك حروف المغرب والأستانة، كما قام بتسمية كثير من المخترعات الحديثة بما يناسبها من الكلمات العربية، وعرَّب الكثير من المصطلحات، وأضاف للغة العربية مصطلحات جديدة، كما عنى عناية تامة بالتنويه عن اللغة الملائمة للصحافة، وشدد على البعد عن ركيك الأساليب أو العبارات، التي تتسلل إلى اللغة العربية، لأنها اللغة الأساس التي تبنى عليها ركائز القومية العربية، ونبه في العديد من المقالات إلى ضرورة انتقاء الكلمات العربية والألفاظ الاصطلاحية للمخترعات الحديثة، مثل الساري لقضيب الصاعقة، والمنطاد للبالون، والبرق للتلغراف، والبريد للبوسطة، والبطاقة للكارت، والجريدة للجورنال.

تذكر المصادر أن اليازجي أورد في مجلة (الضياء)، التي كان يصدرها، (68) مصطلحاً جديداً له منها (41) مصطلحاً، نذكر منها، البيئة، الحساء، الحوذي، اللولب، الدراجة، المأساة، المقصف، المقصلة، المجلة، الطلاء وغيرها من الألفاظ والمصطلحات، التي تجري وتدور على ألسنة الكثير من الأدباء والمثقفين إلى اليوم، إلى جانب أن اليازجي ترك العديد من المؤلفات اللغوية المهمة، التي تحتاج من المهتمين بقضايا اللغة العربية إلى إعادة نشرها من جديد، ونذكر من أهم هذه المؤلفات: (تصحيح الأخطاء التي جاءت في معجم  لسان العرب لابن منظور)، و(معجم تاج العروس لمحب الدين مرتضى الزييدي)، ثم معجمه اللغوي المهم (الفرائد الحسان في قلائد اللسان)، وكتاب (تحفة الزائد في المترادف والمتوازن)، ويقع في جزأين، وكتاب (تنبيهات اليازجي على محيط البستاني)، كما يعد اليازجي أول من استخدم النقد اللغوي في عصر النهضة، فكتب دراسات ومقالات عديدة في مجلتي (البيان والضياء)، انتقد فيها الأخطاء اللغوية التي كانت ترد في الصحف والكتب، وقد جمع هذه الدراسات والمقالات في كتابه المهم، (تنبهات على لغة الجرائد)، كما قام بتنقيح واختصار عدد من الكتب الأدبية واللغوية المهمة، نذكر منها (العرف الطيب في شرح ديوان أبي الطيب)، والجوهر الفرد وشرحه في كتاب أسماه (مطالع السعد لمطالع الجوهر الفرد)، وكتاب (تاريخ بابل وآشور)، وله ديوان شعر عنوانه (العقد)، الذي احتوى قصيدته المشهورة (يقظة العرب)، والتي مطلعها:

تنبَّهُوا واستفيقوا أيُّها العربُ

فقد طمى الخطب حتَّى غاصتِ الركبُ


حيث كان اليازجي من أشد المتمسكين بفكرة القومية العربية، وظل يدعو إليها في كل مقام ومقال، وأفرد لها قصائد عديدة من أشعاره، شأنه شأن أعلام النهضة العربية في عصره، الذين أدركوا أهمية القومية العربية ووحدة الوطن العربي، في النهوض بالأمة، ومواجهة أعدائها ومشاكلها، ومن مجهوداته اللغوية أيضاً، تعريب الكتاب المقدس، بعد دعوة الآباء اليسوعيين له، كي يعربه، فدرس السريانية والعبرية، وانكب على هذا العمل تسع سنوات، حتى استطاع تعريب الكتاب المقدس، بلغة عربية بليغة وواضحة، ويضاف إلى ما سبق ما امتاز به اليازجي من جودة الخط، وإجادة الرسم، والنقش، والحفر.إلى جانب هذه المجهودات اللغوية الكبيرة، فإن اليازجي يعد رائداً من رواد الصحافة في عالمنا العربي، وبالتحديد في مجال الصحافة المتخصصة، حيث تولى تحرير جريدة النجاح سنة (1882م)، ثم أصدر مجلة (الطبيب)، بالتعاون مع الطبيبين (بشاره زلزل وخليل سعادة)، ثم أصدر مجلة (البيان) عام (1897م)، ثم مجلة (الضياء)، عام (1898م)، حيث كانت هذه المجلة مجمَّعاً لعلوم اللغة، والأدب، واشتهرت بين مجلات عصرها بالعناية التامة بفصاحة الكلمة ومتانة الأسلوب، ولاقت نجاحاً كبيراً في الأوساط الثقافية في مصر، واستمرت في الصدور ثمانية أعوام، حتى دهمه المرض الذي حال بينه وبين استمرار صدورها، إذ توفي في 28 ديسمبر من عام (1906م)، وقد حقق اليازجي شهرة واسعة في طول بلادنا العربية وعرضها، ووصلت شهرته العالم الخارجي، فمنحه ملك النرويج وسام الفنون والعلوم، كما عُيِّن عضواً في الجمعية الفلكية في باريس، انفرسن، والسلفادور، وله مباحثات شهيرة مع الفلكي الفرنسي المشهور (فلامازيون).

 

 

الكاتبخلف أحمد محمود

مجلة الشارقة

تعليقات