عائشة التيمورية.. لقبت بخنساء العصر الحديث

من رائدات الأدب النسوي

عائشة التيمورية.. لقبت بخنساء العصر الحديث

تُعد عائشة تيمور (عائشة التيمورية 1840 - 1902م) سليلة عائلة (تيمور) الشهيرة، من الرائدات المصريات والعرب الأوليات اللاتي حملن على عاتقهن مشاعل التنوير والحداثة في القرن التاسع عشر. كانت مُمسكة بصولجان حياتها الأدبية منذ نعومة أظفارها، ولُقبت بشاعرة الطليعة، اقتحمت عالم الإبداع والفكر وسبقت وسابقت الكثير في عصرها.

 

 

كتبت المسرحيات والروايات والقصص القصيرة، وسطرت عدة مقالات ببعض الصُحف لتحسين صورة وأحوال المرأة في المُجتمع، وخاضت معارك فكرية عديدة، وأيضاً قرضت الشعر بعدة لُغات فقد كانت من المُجودات القليلات في الشعر، وإذا أنشدت كادت لفرط بيانها تعيها القلوب قبل المسامع، فقد تميز شعرها بالصدق والمشاعر التي تنضح بالجمال والغزل والأخلاق، وأيضاً الألم والرثاء، وهُنا قمة التصوير والعُمق والتأثير:

 

كَلا وَلا أَنسَى زَفِيرَ تَوَجُّعِي

وَالقَدُّ مِنكَ لَدَى الثرَى مَدثُورُ

إِني أَلِفتُ الحُزنَ حَتى إِننِي

لَو غَابَ عَني سَاءَنِي التَأخِيرُ



ولدت عائشة إسماعيل تيمور بحي الدرب الأحمر العتيق بالقاهرة في (1840م)

لعائلة تعشق القراءة والمُطالعة، فوالدها إسماعيل باشا تيمور يمتلك مكتبة مليئة بنفائس الكُتب والموسوعات، وهو أيضاً رئيس للقلم الأفرنجي للديوان الخديوي آنذاك.

في بداية حياتها حفظت القرآن الكريم وتعلمت النحو وعلم العروض، ودرست اللغات العربية والفارسية والشعر، عشقت الأدب فقد كانت تميل إلى المطالعة وبدأت تكتب في جريدة (المؤيد)، وأصدرت رواية (الُلقا بعد الشتات) كأول عمل مسرحي للمسرح المصري وقتها، ثم دخلت المجال العام من (1872 - 1878م) بسبب تأثرها بالاتجاهات التحديثية التي صدح بها الخديوي إسماعيل حينها، وأخذت دوراً جديداً كمترجمة بالقصر الخديوي لما تُجيد من اللغات، خاصة الفارسية لتعزيز دور مصر بدول الشرق الأوسط، وعملت أيضاً مرافقة للزائرات الإيرانيات من العائلة المالكة.



في تلك الفترة أصدرت أجمل رواياتها (نتائج الأحوال في الأقوال والأفعال 1888م)، وهو أول عمل روائي لكاتبة عربية في العصر الحديث، كما نشرت ديوان شعرها (حلية الطراز 1892م)، و(أشكوفة بالُلغة الفارسية)، وآخر بالُلغة التركية، وأعمالاً نثرية وشعرية وأدبية كثيرة، ما أكد سمعتها الأدبية الرائدة آنذاك.

عندما نمر على مُنتجها الأدبي والشعري الثري، لا بد أن نتوقف أمام محاولتها الأدبية القوية والرائدة منذ أكثر من مئة عام (1892م)، وفي معركة فكرية أُخرى تصدت عائشة للمُنادين بمسألة (السفور) وقتها خصوصاً المُفكر (قاسم أمين) وأتباعه فلم تستسلم، وأكدت الخروج من (حجاب الجهل) وأسواره.. ولكنها تُدافع عن (حجاب المرأة) ففيه عفافها، وكتبت عدة مقالات وسطرت بعض الأبيات الشعرية بخصوص ذلك منها:

بِيد العفاف أصونُ عز حجابي

وبعصمتي أسمو على أترابي

وبفكرةٍ وقّادةٍ وقريحةٍ

نقادة قد كملت آدابي

ما ضرني أدبي وحُسن تعلمي

إلا بكوني زهرة الألباب

ما ساءني خدري وعقد عصابتي

وطراز ثوبي واعتزاز رحابي

 

أيضاً لا يمكن أن نغفل دورها الأسري بعد وفاة والدها في تربية وصقل شقيقها (أحمد تيمور) بالرعاية الأدبية، فجعلت منه علامة وحجة في الأدب وأحد رواد النهضة الأدبية في العصر الحديث، وكذلك تولت رعاية نجليه (محمد ومحمود)، فقد جعلت من محمد رائداً للكتابة المسرحية ومن الرعيل الأول في كتابة القصة القصيرة بالوطن العربي، ثم أتى محمود بعد الوفاة المُباغتة لشقيقه محمد، فوضع أُسس الكتابة القصصية.



كانت عائشة قد تزوجت في سن الرابعة عشرة، ولرجاحة عقلها استمرت في العطاء والمعارك الفكرية سنوات، إلا أن وفاة ابنتها (توحيدة) في عز صباها قد غيرت مجرى حياتها، فتوقفت عن الكتابة والإبداع والعمل العام، وتفرغت للعبادة، ونسجت (مرثية) حزينة في وفاة ابنتها أروع ما جاء فيها:

فلكل عينٍ حقُ مِدرار الدما

ولكلِ قلبٍ لوعة وثُبورُ

ستر السنا وتحجبت شمسُ الضحى

وتغيبت بعد الشروق بُدُورُ

 

هكذا عاشت عائشة تيمور طوال حياتها منذ صباها وحتى رحيلها في (2 مايو 1902م) بين القرطاس والقلم، فكانت مُتفردة ومُتمكنة في مجالها الأدبي والشعري، ومُخلصة لمعاركها التنويرية الحديثة، وقد تركت أعمالاً جيدة ضمت عُصارة فكرها من روافد الرؤى والحُجة القوية والأداء السلس.

 

الكاتب: عمر إبراهيم 

مجلة الشارقة 

 

تعليقات