محمود الرحبي: الرواية هي الوعاء السحري الذي يمكنه استيعاب كل شيء

في كتاباته القصصية إشارات للمكان

محمود الرحبي: الرواية هي الوعاء السحري الذي يمكنه استيعاب كل شيء 

يعتبر محمود الرحبي من كبار كتاب القصة والرواية في عُمان والوطن العربي، ولد عام (1969م)، وانتقل إلى المغرب لإكمال دراسته الجامعية، فحصل على البكالوريوس والماجستير في الأدب العربي من جامعة محمد الخامس، وُيعِد حالياً رسالة الدكتوراه بالجامعة ذاتها. صدرت له عدة مجموعات قصصية منها: (اللون البني 1998م)، (لماذا لا تمزح معي 2008م)، (أرجوحة فوق زمنين 2011م)، و(حديقة السهو 2018م)، وفي الرواية له: (خريطة العالم 2010م)، (فراشات الروحاني 2013م)، و(أوراق الغريب 2017م). نال عدة جوائز منها: جائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب بدورتها الأولى (2012م).

 

 

س/ بدأت الكتابة في سن مبكرة؛ لمن قرأت؟ وما العوامل التي ساعدت على تنمية قدراتك ومهاراتك؟

ج/ البداية كانت في مرحلة الدراسة الثانوية؛ كتبت قصصاً كبدايات تحت عناوين من قبيل: (عضلات فم النائم) و(انبلاج الحلم عند الغسق)، الأخيرة كتبتها تحت تأثير رحيل أخي الذي يكبرني إثر حادث سير، وقصصاً أخرى نشرت بعضها بالملحق الثقافي بجريدة عُمان في أواخر الثمانينيات. لكن؛ حين سافرت إلى المغرب للدراسة، كتبت قصصاً كثيرة في السنة الأولى، وأرسلتها للشاعر الراحل أمجد ناصر لينشرها بصحيفة القدس العربي. ثم نشرت بحثاً تحت عنوان (شاعرية المكان عند سعدي يوسف)، نشر على حلقات بجريدة القدس العربي في التسعينيات. وحين رجعت بعد انتهاء الدراسة، وبسبب اقتراح بعض الأصدقاء؛ جمعت حزمة من هذه القصص تحت عنوان: (اللون البني)، وأرسلتها لتنشر في دمشق، فوُلدت مجموعتي الأولى عام (1997م). بعدها بعشر سنوات تقريباً؛ نشرت مجموعتي الثانية بمسقط (بركة النسيان)، وبعد ذلك تواترت عملية النشر.

بالنسبة إلى القراءات؛ فهي بحر آخر، حيث بدأت بكتب التراث، فكان لأخي الراحل مكتبة اسمها (الشروق)، في العاصمة مسقط حيث عشت طفولتي. وأغلقت المكتبة برحيله المفاجئ. وفي المغرب؛ كنت أقرأ بلا توقف، خاصة الأدب الروسي، كما أن المكتبة الوطنية بالرباط، الملحقة بكلية الآداب جامعة محمد الخامس؛ كان لها الفضل في تغذية هذا الجانب عندي بصورة كبيرة.

 


س/ القصة القصيرة بعمان لم تنل حقها.. لماذا؟

ج/ حقيقة؛ لا أعرف إن كانت نالت حقها أم لا. ولكن؛ يبدو أن عُمان بلد (قصة) قبل أن يتحول الكثير من كتابها إلى الرواية، كما يحدث في كل مكان، فالرواية صارت المحطة الأكثر أماناً للكاتب، وذلك بسبب قاعدتها القرائية الواسعة، ولأنها– وهذا هو الأهم في رأيي- الوعاء السحري الذي يمكنه أن يستوعب كل شيء صراحة ومواربة. بالنسبة إلى القصة؛ بدأت تتقلص بالفعل، ولكن؛ أظنها ستشهد عودة قريبة.

 

س/ لِمَ لا تهتم بالمكان في قصصك؟

ج/ القصة ابنة اللحظة، لذا؛ ربما لا تجد المكان واضح المعالم. ربما في الرواية بحكم توسع صفحاتها نجد المكان أكثر تحديداً، مع أني لا أتفق مع عدم وجود المكان بقصصي، فعلى الأقل؛ يمكن أن نتلمس علامات وإشارات مضمرة له.

 


س/ نلت جوائز مهمة محلياً وعربياً. أي هذه الجوائز يمثل نقلة مهمة في حياتك؟

ج/ باستثناء جائزتَي دبي الثقافية، وجائزة الملتقى للقصة العربية؛ فجميع الجوائز التي حصلت عليها محلية. الجوائز ليست مقياساً لجودة العمل، ولكنها ضرورية، على الأقل لإبرازه. وأهم جائزة؛ هي جائزة السلطان قابوس، نظراً لأني حصلت عليها في نسختها الأولى، ولأنها جاءت في القصة، هذا الفن الذي طالما دافعت عنه وأحببته، فشعرت بأن الحظ كافأني لأحصل على المركز الأول، حيث لا يوجد سوى مركز واحد، كما أني بسببها؛ أصبح لدي بيت بعد أن كنت أعيش بالإيجار، ومن الغرائب أن جاري بالسكن في منطقة (المعبيلة) بأطراف مسقط؛ كان الفنان التشكيلي رشيد عبدالرحمن، هو أيضاً اشترى بيتاً بثمن الجائزة في المنطقة نفسها.. الغريب كذلك؛ أن رشيد كان يسكن في مسقط قبل حصوله على الجائزة، وأنا كنت أسكن في مطرح الملاصقة لمسقط. وهما مدينتان بحريتان.

 

س/ عبر كتاباتك السردية تهتم بالحكاية.. من أين تستمد هذا؟

ج/ الحكاية الشعبية تشكل إغراء وغذاء للقصة القصيرة الحديثة، فعمان تمتلك ثراء إثنوغرافياً يصعب تجاوزه، أو العبور فوقه بشكل يسير. نعم؛ هناك حكايات شعبية في قصصي، أتذكر مقولة لبورخيس (علينا أن نبحث عن الغريب حتى في كتب اللاهوت)، والغريب هذا؛ يمكن أن يجده القاص بكل مكان: في مشهد، أو حكاية، أو حتى في حلم.

 

س/ كونك كاتباً روائياً معروفاً.. المنجز الروائي العربي إلى أين؟

ج/ هذا المنجز يشهد تقدماً مع جوائز الرواية، أخص هنا جائزتَي البوكر، ونجيب محفوظ. ولا ننسى أن الرواية العربية غدت تدخل في منافسات عالمية، كما حدث أخيراً مع رواية (سيدات القمر) للكاتبة العمانية جوخة الحارثي، وكما حدث من قبل مع روايات من المغرب والجزائر، وفي فرنسا مثلاً؛ آسيا جبار، والطاهر بن جلون، وآخرون. الرواية تعيش زمنها الذهبي، قوتها عربياً أنها تأصلت، فالعديد من الكتاب الذين كانوا في السابق يزاوجون بين الرواية والمسرح والقصة؛ أصبحوا لا يكتبون إلا الرواية، بل إن كثيراً من الشعراء والنقاد والباحثين أصبحت الرواية وطناً لهم وإقامة نهائية.

 

س/ نرى اتجاه بعض الأدباء نحو الكتابة النقدية.. إلى أي مدى يمكن للأديب أن يمتهن النقد؟

ج/ لممارسة النقدية تدلل على سعة اطلاع الكتّاب، ولكن أنا دائماً مع أن يكون النقد أكاديمياً، أي أنه يأخذ صبغة علمية، وذلك لكون النقد علماً يقتضي الدراسة، والإمساك على مصطلحات نقدية يمكنها أن تسبر كوامن النص الأدبي، وهو ما دعا إليه الناقد المغربي سعيد يقطين، وما أسماه بعلم السرديات الذي يعني بالسرد كعلم، وليس كنصوص. ولا يجب ألا نغفل ما يكتبه بعض الكتاب أنفسهم من انطباعات في غاية الذكاء والألمعية، وهي نتاج خبرة بالقراءة يمكنها أن تنتج موازنات نقدية لافتة، قد لا يستطيع حتى دارس الأدب والنقد أن يصل إليها بسهولة.

 


س/ رواياتك فيها كوادر ومشاهد سينمائية.. هل من الممكن أن يكون ذلك من أجل أن يكمل القارئ الرواية إلى نهايتها؟

ج/ قد يكون ببسب اهتمامي باللقطة السردية، يجب أن أعترف بأني لم أتخلص بعد من القصة، حتى وأنا أحاول كتابة الرواية. التكثيف، النفس القصير، واللقطة؛ كل ذلك لايزال يسري حتى في محاولاتي الروائية. حاولت أن أتجاوز ذلك في روايتين هما: (فراشات الروحاني)، و(أوراق الغريب)، والمحاولات مستمرة؛ بالرغم من أني أقرب إلى كتابة القصة منه إلى الرواية، بل أشعر أحياناً بأني أكتب الرواية كاستراحة، وليس العكس، كما يحدث لبعض الروائيين حين يكتبون القصة كاستراحة.

 

س/ في رأيك؛ كيف يمكن الاستفادة من الانفتاح على التجارب السردية الغربية؟

ج/ بقراءة الروايات العالمية، استطعنا أن نتعرف إلى تقنيات جديدة في كتابة السرد، خصوصاً الرواية، إذ لا يمكن إنكار هذا، ولكن؛ تظل المادة الحكائية والتفاصيل والفضاء عربية بامتياز.

 

الكاتبأحمد اللاوندي

 مجلة الشارقة

تعليقات