أحمد سويلم: الحلم يبدأ من ثقافة الطفل

ينهل من تراث عربي أصيل

أحمد سويلم: الحلم يبدأ من ثقافة الطفل 

الشاعر أحمد سويلم المولود، بمدينة (بيلا) محافظة «كفر الشيخ» في (8 ديسمبر 1942م)، شاعر غزير الإنتاج له العديد من الدواوين الشعرية، من بينها: (الطريق والقلب الحائر، الهجرة من الجهات الأربع، الخروج إلى النهر، العطش الأكبر، الشوق في مدائن العشق، قراءة في كتاب الليل، الزمن العصيّ، ولزوميات)، وله من المؤلّفات في المسرح الشعري: (أخناتون، شهريار، الفارس).

 

أمَّا عن دراساته الأدبية والتراثية، فهي عديدة ومتنوعة، ومنها: (المرأة في شعر البياتي، أطفالنا في عيون الشعراء، التربيَّة الثقافيَّة للطفل العربي، مسلمون هزموا العجز، عظماء أغفلهم التاريخ، الإعلام الشعري في التراث العربي، والفكر الإسلامي وثقافة الطفل العربي).

 

كما أنَّ للشاعر مؤلّفات مؤثرة ومهمة في مجال أدب الطفولة، لعلّ من أهمها: (حكايات من ألف ليلة وليلة، حكمة الأجداد، مدائن إسلامية، طفولة عظماء الإسلام، وبستان الحكايات).

حصل شاعرنا على عدة جوائز مهمة من بينها: جائزة الدولة التشجيعية في الشعر (1989م)، جائزة كافافيس (1992م)، جائزة الدولة التقديرية في الآداب (2016م)، وقد كان لمجلة (الشارقة الثقافيَّة) هذا الحوار مع الشاعر أحمد سويلم:

 


س/ أنت تنهل من تراثٍ عربي خصب ومتميز.. يهمنا أن نتعرَّف منك شخصياً إلى خصوصية تجربتك الإبداعيّة الطويلة، وكيف تمَّ لكم اكتسابها؟

ج/ إنسانية الشاعر، وشاعرية الإنسان، وهما قوسان أعيش بينهما وأبدع مستنداً إلى ثقافةٍ واسعةٍ تراثية ومعاصرة، تُشكِّل محاور شعري، وتُحدِّد مساراته المختلفة في إطارٍ من التجديد والتجريب، والفنّ الباقي، إذ لم تكن المهمة يسيرة، وأنا أكتسب ثقافتي بإصرارٍ وتمرُّدٍ، لهذا اتهمني بعضهم ـ وهي تهمة أعشقها ـ بالصعلكة الشعريّة، ومن ثمَّ يمكن أن نُحدِّد هذه الخصوصية بالانحياز الواعي العربي والإسلامي، في ضوء المعاصرة الفكريّة، وأنا أتعامل مع كُلّ شيء بمعيار الانتقاء، آخذ ما يحمل الدلالة فائقة المعنى والرؤية والتجربة، وأطرح جانباً ما لا يحمل هذه الدلالة.. لهذا فأنا شاعر عاشق، صاحب موقف لا أحيد عنه، وهو المواطنة الكاملة للحُبِّ، الأرض، التاريخ، والواقع.

هناك العديد من النظريات التي تحاول تفسير العملية الإبداعيّة للمبدع، سواء أكان أديباً أم فناناً، لعلّ من أهمها (نظرية الإلهام)، التي ترى أنَّ المبدع شخصٌ مُلْهم، وأنَّ لديه قدرة هائلة على التقاط الومضات الإلهامية التي تصدر إليه من عالم غير مادي وغير منظور، لدرجة أنَّ الدكتور يوسف مراد يقول في أحد مؤلفاته: (إن حالة المُلْهم شبيهة بحالة المتصوف، الذي يهبط عليه الإلهام، وهو في حالة استسلام تام لما يجيش في صدره من خواطر). 


س/ هل يؤمن الشاعر أحمد سويلم بالإلهام إيماناً مطلقاً؟ أم أنَّ إيمانك بالإلهام يكتسي بشيءٍ من الحذر والتحفُّظ؟

ج/ لا أستطيع أن أُنكر مساحة الإلهام في الإبداع بصفةٍ عامّةٍ، فالفنِّ عمل إنساني لكنَّه متفوق على أي عمل آخر. لكن ليس الأمر كما جاء بهذه المقولة من الاستسلام للإلهام، وإنما الحقيقة أنَّني أقاوم دائماً هذا الدافع الأوَّل ــ الإلهام ــ لكتابة القصيدة خشية أن يكون وهماً، وأظلّ في صراعٍ معه حتى تتأكَّد لي سطوته الطاغية، وهنا يبدأ التعامل معه، مؤكِّداً شيئاً من الرؤية والتجربة والتعامل الإيجابي الذي يُضيف إلى الإلهام إحكاماً في التعبير، وإطاراً ومداراً، ومجرى لا يتوقف، لكن خيوط هذا كُلَّه في قبضة التجربة الشعرية والقدرة على تطويعها، لتكون ملتصقة بإبداعي أنا وليس بإبداع مبدع آخر.

إذاً.. دور المبدع ليس سالباً بحيث يستسلم للإلهام، وإنما هو دور إيجابي، يتجلَّى أكثر حينما ينتهي من القصيدة، فيتحوَّل المبدع إلى متلقٍ، أو متذوق، أو ناقد، يصلح من قصيدته التي قد يستسلم جانب منها إلى الإلهام وحده.

 


س/ تطفو على السطح في هذه الآونة مشكلة الشعر الفصيح والشعر العامي، البعض يُقرِّر التمسُّك باللُّغة العربيَّة الفصحى، لأنَّ هذه اللُّغة تجسِّد  إلى حدٍّ بعيدٍ  هُوُية الإنسان العربي.. ما موقف الشاعر (أحمد سويلم) من تلك القضية على ضوء خبرتك العريضة؟

ج/ القضية ببساطةٍ وبدون تعصب، أنَّ اللُّغة العربيَّة تستطيع أن تصل إلى أي مستوى عقلي ببساطةٍ، إذا أحسنا تقديمها، فالمعروف أنَّ اللُّغة لها مستويات مُتعدِّدة تبدأ من البساطة وتتدرج صاعدة إلى التعقيد.

العيب إذاً، ليس في اللُّغة، وإنما العيب في الذين يتعاملون مع اللُّغة، فمَنْ يقبض عليها قبضاً جيداً، يستطيع ببساطةٍ اختيار المستوى المناسب لكُلِّ مرحلة سنية أو عقلية، من غير تعقيد أو صعوبة، وليس الأمر متعلقاً بالتطابق بين اللُّغة والواقع كما يقولون، وإنما الأمر يتعلَّق بعجز الكثيرين عن التعامُّل مع اللُّغة ـ خاصَّة هؤلاء الذين يعبرون بها.

 

س/ ترجمة الشعر قضية مهمة، سيما ونحن نعيش في عصر انهارت فيه الفواصل الحدودية والجغرافية بين الشعوب، وبالتالي بين الثقافات، ما الذي يقوله الشاعر أحمد سويلم بشأن هذه القضية؟

ج/ يؤكِّد بعض النَّاس، أو بعض النُقَّاد أنَّ الترجمة تصل بنا إلى العالمية، لكن السؤال هنا: كيف توضع خطة شاملة يمكن عن طريقها الوصول إلى العالم عن طريق ترجمة جيدة. الذي يحدث اتصالات شخصيَّة، حينما أذهب إلى مؤتمر في الخارج يأخذون أشعاري ويترجمونها، أشياء شخصيَّة جدّاً لا تعطي باباً إلي العالمية، أنا أعتقد أنَّ الترجمة مهمة جدّاً للوصول إلى العالمية. 


س/ ماذا ترى من حلولٍ للمضي قدماً نحو ترجمة حقيقية للشعر خصوصاً، وللأدب عموماً؟

ج/ الحلُّ في رأيي يكون بوجود خطة ترعاها وزارة الثقافة، أو المؤسَّسات المختلفة، بحيث يكون هناك اختيار لنصوصٍ أدبيةٍ يمكن أن تترجم وتستحق الترجمة، ودعني أصارحك فأقول بأنَّني حينما أتواصل مع بعض الكُتَّاب الأجانب أعلم أنَّهم يقفون عند مراحل: أحمد شوقي، حافظ إبراهيم، عباس محمود العقاد، طه حسين، ونجيب محفوظ على الأكثر، ولا يعرفون شيئاً عن كُلّ الاتجاهات الحديثة، سواء في مصر، أو العالم العربي، لذلك لا بدّ من وضع خطة شاملة، واستراتيجية كاملة للترجمة.

 


س/ الكتابة للطفل أمر شاق للغاية، كما أنَّ النصَّ المُقدَّم للطفل لا بدّ أن يخضع لضوابط ومقاييس. ما تعليق الشاعر أحمد سويلم؟

ج/ كُلُّ شيء يبدأ بالطفل، والثقافة ـ إذاً ـ تبدأ بالطفل.. ومن ثمَّ فإن تجربتي في الكتابة للطفل نابعة من بناء شخصية الطفل الثقافيَّة على أسس جيدة من التعبير والتربيَّة، وكُلّ نصّ يُقدَّم للطفل لا بدّ أن يتضمَّن أسساً فنيَّة وتربويَّة وسلوكيَّة، تناسب المرحلة السنية التي يُقدَّم إليها، وقد شرحت هذه التجربة في ثلاثة كتب، أو ثلاث دراسات، هي: أطفالنا في عيون الشعراء، والتربية الثقافيَّة للطفل العربي: مصادرها وآفاقها، والفكر الإسلامي في ثقافة الطفل العربي، ولقد كتبت للأطفال ألواناً مختلفة مثل: المقطوعة المغناة، القصيدة، القصَّة، والمسرحية الشعرية.

 

الكاتبوفيق صفوت مختار

مجلة الشارقة

 

تعليقات